تُعَدُّ تربية النحل إحدى فروع الفِلاحة، وهي من أكثر المشاريع الزراعيّة نجاحاً، لذلك يسعى العديدُ من المزارعين الذين يقومون بتربية النّحل إلى الاهتمام بنحلهم ورعايته ليُنتِجَ عسله وشمعه وهلُامه الملكيّ ولقاحه بجودةٍ عالية، وتنتشرُ تربية النّحل في جميع قارات العالم. والنَّحل حشرة تشتهر بإنتاجها لمادَّة العسل، ولقدرتها على الدِّفاع عن نفسها أو خليَّتها بلسعة مُؤلمة. تعيش هذه الكائنات في جَميع أنحاء الكوكب ما عدا قارَّة أنتاركتيكا المُتجمِّدة، وهي تسكن كلَّ البيئات الموجودة على الأرض تقريباً. من المناطق الجبليَّة الباردة إلى الأقاليم شبه الجافَّة وقليلة الغطاء النباتيّ وانتهاءً بالغابات المطريّة. قد يبدو النحل مُخيفاً قليلاً بسبب عيشه في جماعاتٍ كبيرة واستماتته الشّرسة في الدّفاع عن خليَّته، ولكنّه قادرٌ على العمل بنظامٍ دقيق جداً ليتمكَّن من إنتاج العسل الحلو واللَّذيذ.[١] يُؤدِّي النّحل دوراً جوهريّاً للبيئة، وذلك لأنَّه يُساعد النباتات المُزهرة على التّكاثر. تطوريّاً، ينحدر النّحل من نفس السُّلالة التي جاءت منها الدَّبابير، إلا أنَّه يختلفُ عنها بكونه تطوَّر ليُصبح كائناً عاشباً يتغذّى على رحيق الزُّهور، بينما الدّبابير تُعتَبر لاحمة.[٢]
العسلُ مادَّة حُلوة لزجة القوام يصنعُها النَّحل بمُعالجة رحيق الأزهار، والرَّحيق في طبيعته سائلٌ خفيف يمتصُّه النّحل من تيجان الزُّهور، ومن ثمَّ يطيرُ عائداً إلى خليَّته ليُفرِّغه داخلها، وتستطيع النّحلات الجامِعة حملَ الرَّحيق بفضل جيوبٍ في سيقانها قادرةٌ على امتصاص الرَّحيق وتخزينه حتى تعود إلى العُشّ. بعد أن يَجمع النَّحل العسل في الخليَّة يتركُهُ لتجفَّ سوائله فيتَّخذ قواماً سميكاً، ومن ثمَّ يُضيف إليه مواداً كيميائيَّة مُختلفة تُعطيه مذاقه الفريد. ويُعتبر العسل مصدراً مُمتازاً للسكَّر البسيط، ولذلك فقد كان مُنتَجَاً اقتصاديّاً وتجاريّاً هامّاً مُنذ عُصور قديمة تعودُ إلى آلاف السِّنين.[٣]
النَّحل حشرة تعيشُ في جميع أنحاء العالم ما عدا القُطبين المُتجمِّدين، وتضمُّ فصيلتُه العملاقة أكثر من عشرين ألف نوع، وله أهميَّة اقتصاديّة شديدة. وقد اقتات البشرُ على عسل النَّحل مُنذ العصور الحجريَّة بجمعه من البريَّة، إلا أنَّ الإنسان تعلَّم استئناس النَّحل وبناء خلايا بسيطةٍ له لتوفير الحماية له، وليبني داخلها أقراصهُ الشمعيَّة، وذلك للحُصول على مخزونٍ مُستمرٍّ من عسله. ومن المُحتمل أنّ تلك الخلايا الأولى تكوَّنت من موادَّ بسيطة، مثل قطع خشبٍ جوفاء أو دِلاءٍ مُعلَّقة، وقد صنعَ الأوروبيُّون خلايا للنَّحل من القشّ ذاتِ شكلٍ قمعيّ، وعلى الأرجح أنَّ المُستكشفين الأوروبيين هُم من نقلوا نحل العسل إلى الأمريكيَّتين أثناء بعثاتهم إلى هُناك في مطلع القرن السَّابع عشر. وأمَّا صناعة عسل النَّحل بصُورتها التجاريَّة الحالية فقد ظهرت في القرن التّاسع عشر، عندما تم البدء ببناء النَّمط القياسيّ الحديث من الخلايا.[٤]
تتمثَّل الوسائل الحديثةُ لتربية النّحل بطريقتين أساسيَّتين، هُما كالآتي:
تُنتج الأزهار مادَّة سائلةً تُسمَّى الرّحيق لجذب الحشرات والطُّيور إليها ومُساعدتها على التّكاثر، والرّحيق هُو المُكوِّن الأوليّ للعسل، وهو عبارةٌ عن سائلٍ سُكريّ يحتوي زُيوتاً عِطريَّة تُعطيه طعماً مُميَّزاً، وهذه الزّيوت هي التي تمنح الأزهار رائحتها الجميلة. تجمعُ النَّحلات الجامِعة الرَّحيق بامتصاصه إلى جُيوبٍ خاصَّة في أرجلها تُسمَّى "مِعدة العسل"، وتستطيعُ كلُّ نحلةٍ حمل كميَّة من الرّحيق تصلُ إلى 40 ملليغراماً. عندما تعودُ الجامِعات إلى الخليَّة يُعطينَ الرّحيق الذي جمعنَهُ إلى النَّحلات العاملات، فتبدأ العاملات بعمليَّة تبخير السَّوائل الموجودة في الرَّحيق لزيادة كثافته ولزُوجته، وعادةً ما تتدنَّى نسبةُ الماء من 70% في الرَّحيق إلى 20% فحسبُ في العسل. وفي أثناء هذه العمليَّة تبتلعُ العاملات العسل وتتقيَّؤه مراراً فتفرزُ عليه إنزيماتٍ خاصَّة تستطيعُ تغيير تركيبه الكيميائيّ، ممَّا يعملُ على زيادة طعمه العطريّ الفَريد، والاحتفاظ بمُحتواه من السُّكر الطبيعيّ.[٦]
يتميَّز المُنتج النهائيّ من العسل بقوامٍ سميكٍ جداً، وشديد اللُّزوجة، وحلو المذاق، وهو يحتوي أنواعاً عديدةً من السُكَّريات، إلا أنَّها بسيطةٌ في تركيبها. وقد تتفاوتُ نكهة العسل ولونه بحسب أنواع الأزهار التي صُنِعَ منها، فعلى سبيل المثال، يتَّخذُ العسل المصنوع من أزهار شجرة البُرتقال طعماً قريباً من طعم البُرتقال. وعندما يصلُ العسل شكله النهائيَّ يُصبح جاهزاً للتَّخزين داخل الخليَّة إلى أمدٍ طويل بفضل خصائصه المُقاومة للبكتيريا، وعندها يكونُ غذاءً للنَّحل في فصلِ الشّتاء أو عند حُدوث أيِّة أزمة، وهو من الأطعمة الأساسيَّة التي يتناولها النّحل.[٦]
المقالات المتعلقة بكيفية تربية النحل وإنتاج العسل